استعان المخزن بمئات المرتزقة الأوربيين لفرض «هيبته»

عبد الصمد الزعلي
العدد :2341 - 06/04/2014
لطالما سحرت الجيوش الأوربية سلاطين المغرب، وجعلتهم يبذلون الغالي والنفيس من أجل الاستفادة من الخبرة الأوربية لتطوير الجيوش السلطانية، وجعل الجيش السلطاني شبيها بنظرائه الأوربيين، وقد أحاط سلاطين المغرب أنفسهم بالكثير من المرافقين والعسكريين الأوربيين، ففي أواخر القرن التاسع عشر كان العشرات من الأوربيين يخدمون في البلاط السلطاني، من حرفيين مهرة، تجار أو عسكريين وجنودا، ومنحت لهم امتيازات وأجور مغرية لم تكن لتمنح لنظرائهم المغاربة والعرب.
وتقدر بعض الكتابات عدد الأوربيين في فترة من فترات القرن التاسع بأكثر من ألف فرنسي وإسباني، غالبيتهم من الفارين من السجون، ودخلوا إلى المغرب هربا من الملاحقة من أمن بلدانهم، ليجدوا ملاذا آمنا في المغرب، بل وجدوا فرص عيش وشغل، وقد تم توظيف الكثير منهم في صفوف الحرس السلطاني.
ورغم أن الدولة كانت تمنع عنهم العيش في مناطق ومدن مغربية معينة، طنجة، وفي تطوان أو في العرائش أو في الصويرة، لأسباب يتداخل فيها الديني بالسياسي، إلا أنهم كانوا يتمتعون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية،  في الوقت الذي اختارت فيه غالبية أخرى منهم اعتناق الإسلام.
لكن مع أواخر القرن التاسع عشر، لم يعد تواجد الأوربيين في المغرب يقتصر على السجناء الفارين من سجون بلدانهم، والذين اشتغلوا كمرتزقة في بناء قصور السلطان، كما اشتغلوا في حرسه، بل أصبح المغرب وجهة مفضلة لـ«مرتزقة» من فئة راقية، وأصول نبيلة، رأت في المغرب فرصة للاغتناء السريع.
وهكذا توافد على المغرب في عهد سلاطين الدولة العلوية العشرات من الأوربيين من عسكريين وضباط سابقين في أقوى الجيوش الأوربية، الذين قدموا خبراتهم العسكرية مقابل امتيازات مالية كبيرة، مكنت الكثير منهم من جمع ثروة قبل العودة إلى بلدانهم الأصلية.
وقد استغل هؤلاء إعجاب سلاطين الدولة العلوية بحداثة الجيوش الأوربية ليعرضوا خبراتهم عليهم كمدربين عسكريين، ولم يقتصر تواجد هؤلاء على الجيش أو الحرس السلطاني، فقد اشتغلوا حتى في السفن التي كانت تسمى بسفن الجهاد البحري، إذ تكشف الكتابات التاريخية في المجال أن سفن الجهاد البحري كانت تعج بالعشرات من الأوربيين، منهم جنود عاديين ومنهم قادة عسكريين،
ولنقص الخبرة لدى الحكومة المغربية، فقد كانت تلجأ إلى سماسرة أوربيين يبحثون لها عن ضباط عسكريين مؤهلين لخدمة الجيش السلطاني مقابل إغراءات مالية نادرا ما كانت تفشل في إغراء أي عسكري أوربي، بل منهم من أصبح يتحدث اللهجة المغربية واختلط مع عامة الشعب، واختار لنفسه اسما مغربيا يعرف به في أوساط المجتمع المغربي.
وتظهر السير التاريخية التي كتبت بخصوص هؤلاء، أن غالبيتهم جمعوا في دهاء كبير بين عملهم كمرتزقة ومدربين عسكريين لدى سلاطين المغرب وبين قيامهم بالتجسس لصالح بلدانهم.
أما في العهد الحديث فلم تتوقف الاستعانة  بمرتزقة أوربيين، فإبان حرب الريف جلبت فرنسا طيارين أمريكيين بعد عجزها عن إخماد ثورة عبد الكريم الخطابي، وأجبرت السلطان مولاي يوسف على دفع أجورهم وتوفير بدلاتهم العسكرية والتوقيع على عقد تشغيلهم، خوفا من أزمات دبلوماسية مع أمريكا التي كانت ترفض أن يشتغل مواطنوها كمرتزقة لدى جيوش أخرى أجنبية وتعاقب على ذلك بالسجن والغرامة.
في هذا الملف تعيد «المساء» النبش في حكايات أوربيين هجروا جيوش بلدانهم وفضلوا الاشتغال كمرتزقة لدى سلاطين المغرب، مقابل أموال مكنتهم من الاغتناء السريع، وكيف ينطبق «معنى «الارتزاق على الكثير من الحالات في التاريخ المعاصر للمملكة.
  «ماكلين».. جنرال بريطاني  هجر  جيش بلاده لخدمة المخزن
بسبب رغبة الحسن الأول في تحديث الجيش المغربي على الطريقة الأوربية

ولد الجنرال «ماكلين» في بريطانيا، عمل في فوج المشاة البريطاني، خاض العديد من المعارك رفقة الجيش البريطاني، وأقسم على الدفاع عن التاج البريطاني حتى الموت، لكنه انتهى به المطاف في الجيش المغربي، حيث أقسم أيضا على الدفاع عن المغرب حتى الموت.
الإنجليزي «هاري ماكلين» المدعو « الحراب» من  قيادة فليق طنجة، إلى قيادة جيش «الحرابة» بالبلاط الملكي.
توظيف «ماكلين» كمرتزق من طرف السلطان كان مصادفة، فبينما كان جلالة السلطان الحسن الأول مارا بمدينة طنجة سنة 1880 أخذ يبحث عن بعض الضباط الأوروبيين السابقين لاستقدامهم إلى المغرب قصد تنظيم مشاة الجيش المغربي، فتم ترشيح «ماكلين» وقبل به دون تردد.
حل بالمغرب بعد أن شاع في بلاد الأوربيين أن سلطان المغرب يرغب في تحديث الجيش السلطاني والاستعانة بخبرات الأوربيين مقابل امتيازات مالية كبيرة.
فقد استهل السلطان مولاي الحسن الأول مسيرة تحديث الجيش على الطريقة العصرية الأوربية، وهو ما شكل فرصة للعشرات من المرتزقة الأوربيين الذين حلوا بالمغرب للاستفادة  ماديا مقابل تقديم خبراتهم للجيش السلطاني.
في سنة 1877، بدأ الجنرال «ماكلين» عمله في الجيش السلطاني كمدرب عسكري، بعدما أقدم السلطان على بناء المدارس العسكرية لتنشئة جيل من الجنود المغاربة على الطريقة الأوربية، لم يكن الجنرال «ماكلين» يحلم أن يعمل كمرتزق للجيش السلطاني إلا بعد مفاوضات ووعود كثيرة بإغراءات مالية كبيرة.
وفي ظروف الاستعانة به في تدريب الجيش مقابل أجر مادي، تكشف المصادر التاريخية أن السلطان مولاي الحسن كان قد طلب من السفير البريطاني في طنجة  آنداك» السير جون دروموند» أن يقترح عليه أحد المدربين العسكريين ممن يمكن أن يشهد لهم بالكفاءة العسكرية وبالحفاظ على الثقة والأمانة.
فاقترح السفير البريطاني الجنرال «ماكلين» الذي قبل المهمة بدون تردد في ظل الإغراءات المالية الكبيرة التي قدمت له، واستطاع «ماكلين» أن يثبت كفاءة عالية في التدريب العسكري، حيث تمكن من تطوير قدرات الجيش السلطاني، وساهم في تطوير قدرات الجنود القتالية في زمن قياسي، مما دفع السلطان إلى الرفع من تعويضاته الشهرية.
مند قدومه إلى المغرب تدرج في السلم العسكري المغربي بعدما أظهر كفاءة في تطوير قدرات الجيش المغربي القتالية والرفع منها، فكسب ثقة السلطان الذي سمح له بحرية التصرف في عناصر الجيش السلطاني،  وتكتشف الكتابات التاريخية أن مجموع السنين التي خدمها «ماكلين» في الجيش فاقت أربعين سنة، وهناك من يحددها في 43 سنة من الخدمة العسكرية في المغرب، تمكن خلالها من جمع ثروة طائلة من الأموال التي كان يغدقها عليه السلطان.
والسنين التي كانت معدودة في مخيلة الجنرال «ماكلين» تحولت إلى مدة غير محدودة، فاستأنس بالجو المغربي وبالامتيازات التي كانت تمنح له، وهكذا بدأ مرحلة جديدة من حياته، استهلها بتعلم اللغة العربية التي أتقنها وأجاد الحديث بها/ كما أتقن الدارجة المغربية بسبب كثرة مخالطته لعامة الشعب المغربي، وهي مبادرات شخصية سرعان ما آتت أكلها، حيث قرر السلطان في خطوة مفاجئة،  ترقيته في منصبه، وسرعان ما أصبح الجنرال «ماكلين» قائد سلاح المشاة في الجيش المغربي، والآمر الناهي، فهو الذي أصبح ينظم الجيوش ويستعرضها في الأعياد وحفلات الاستقبال ويتقدمها على جواده شاهرا سيفه، فصارت أمور الجيش بيده أكثر فأكثر، وأصبح يشتري لجنوده السلاح من مختلف المصانع بأوربا، في الوقت الذي لم يكن السلطان يتردد في دفع ثمنه دون محاسبة، كما سهر على تلقين جنود الحرس السلطاني كل أساليب الجدية في المجال العسكري، بل حتى  الأسلحة المهداة من طرف السفراء الأوربيين في المغرب إلى السلطان كان يشرف على تعليم الجنود كيفية استعمالها.
المهمة التي بدأت بسيطة وكانت تقتصر على تدريب الجنود وتطوير قدراتهم القتالية أصبحت رسمية، وأصبح الجنرال «ماكلين» قائدا لقوات الحرس السلطاني، ولأنه صار قريبا من السلطان مولاي الحسن أصبح فيما بعد قريبا من ابنه السلطان مولاي عبد العزيز، فقد أوكلت إليه مهمة قيادات العمليات العسكرية ضد القبائل المتمردة، التي كانت تهدد نفوذ السلطان على جل المناطق المغربية.
لم يكن ولاء «ماكلين» للمغرب وحده بالرغم من تقديمه لخدمات كثيرة له نظير الكثير من الأموال التي كان يتقاضاها مما جعله يخلف ثروة مهمة بعد وفاته، فقد كان ولاؤه أيضا لبلده الأصلي بريطانيا، حيث كان مهتما بوقف النفوذ الفرنسي في المغرب عبر إيصال المعلومات التي كان يحصل عليها من طرف الاستخبارات البريطانية ويقدمها إلى  السلطان.
وقد اعترف البريطانيون فيما بعد باستغلالهم لحظوة «ماكلين» لدى السلطان، إذ منحوه وسام القديس «جورج» نظير خدماته للتاج البريطاني سنة 1898.
وقد وصل «ماكلين» من الحظوة لدى السلطان إلى درجة أن جعله على رأس الوفد المغربي الذي ذهب إلى بريطانيا من أجل تهنئة الملك إدوارد السابع الذي تولى العرش بعد وفاة الملكة فيكتوريا سنة 1901، رفقة الوزير المهدي المنبهي.
في سنة 1894، عند وفاة السلطان مولاي الحسن، حرص «الجنرال «ماكلين» على إخفاء خبر الوفاة لإنقاذ العرش وتسليمه بأمان إلى السلطان مولاي عبد العزيز، وهو ما سيقدره الأخير أشد تقدير فيما بعد، حيث جعل «ماكلين» في منزلة أكبر مما كان يحظى به في عهد والده مولاي الحسن الأول بعدما استتبت الأمور إليه.
ولم يقتصر دور الجنرال «ماكلين» على الميدان العسكري، بل وقف في وجه المحافظين من المحيطين بالسلطان مولاي عبد العزيز، حيث كان يدعو إلى تحديث المغرب، في الوقت الذي كان يرى فيه المحيطون بالسلطان أن كل ما يأتي من الغرب هو من الكفر ولا علاقة له بالإسلام.
في سنة 1907، سيكلفه السلطان بمفاوضة الثائر  الريسوني، في محاولة لوقف تمرده، لكن الريسوني اختطفه ولم يطلق سراحه إلا بعد أن طلب فدية مقابل ذلك،  وهو ما لم يتردد السلطان في تلبيته.
الفترة الذهبية التي عاشها «ماكلين» دامت أكثر من ثلاثين سنة، لكن سرعان ما تغيرت الأمور وساءت بالنسبة له، بعد أن ضعفت سلطة السلطان مولاي عبد العزيز، وتم إسقاطه، بعدما عجز عن الوقوف في وجه الاحتلال الفرنسي، وحل محله أخوه المولى عبد الحفيظ، والذي سرعان ما نبد الجنرال «ماكلين» ورفض أن يعينه في أي منصب أو يجعله في أي مكانة لديه، عانى «ماكلين» من تغير السلطة، ومجيء سلطان جديد يرغب في تجديد كل شيء،  فغادر «ماكلين» عائدا إلى بريطانيا رفقة أسرته.
لكن سرعان ما سيعود بعدما فرضت الحماية على المغرب، فعندما أصبحت مدينة طنجة تحظى بحماية دولية ولم تعد تابعة للسلطان، قرر «ماكلين» العودة إليها،  فاستقر بها رفقة عائلته إلى أن توفي عن سن تناهز 71 سنة.
ترك ثروة مهمة ما بين طنجة وفاس ومراكش وغيرها من المدن المغربية بالإضافة إلى بريطانيا.
تدرج الإنجليزي في المناصب، وكان كلما ترقى إلى منصب ترتفع معه عائداته المالية التي كان يحرص عليها أشد الحرص، كلفه المولى الحسن بتدريب الحرابة فأدى مهمته بكل جد وحزم فرقاه جلالة السلطان إلى رتبة « كرونيل» أي كولونيل لإتقان المهمة والسهر على تفاصيلها، كلف بمفاوضة المتمردين فأبلى البلاء الحسن.

القبطان الألماني الذي جمع ثروة من السلطان
اسمه  «ليونارد كاروف» لكن المغاربة ومنذ حلوله بينهم أصبحوا ينادوه «القبطان الماني»، ملامحه وهيئته تجعل من السهل أن يميزه العامة كما خاصة المجتمع المغربي، وعلى غرار العشرات من بني جلدته الذين حلوا بالمغرب للعمل كمدربين عسكريين، وتقنيين في العديد من المجالات، جاء «ليونارد» بحثا عن الأموال مقابل خبرته العسكرية.
ولد سنة 1872 في ألمانيا، والتحق ببحرية بلده في البداية، ليصبح بفعل تدرجه في المناصب خبيرا ومحنكا في البحرية التجارية الألمانية، ، قبل أن يصبح فيما بعد قبطانا على إحدى السفن لإحدى الشركات العالمية في مجال التجارة، حيث أصبح يجوب سواحل العالم، متنقلا من بلد إلى آخر، كما كان ينتقل من سواحل أوربا إلى سواحل إفريقيا وعلى رأسها سواحل المغرب.
في سنة 1899 وبينما كان في مهمة تجارية، سيلتقي القبطان الألماني بأحد سماسرة الحكومة المغربية الأوربيين في مدينة  «هامبورغ» الألمانية، وهذا السمسار يدعى «ميتسنر» كان قد  كلفه مسؤولون في المغرب نيابة عن السلطان، بالبحث عن قبطان أوربي يتولى قيادة سفينة «التركي» مقابل أجر مغري، وذلك في إطار الجهود التي كان يبذلها السلطان الحسن الأول من أجل تطوير قدرات الجيش المغربي، فقد كانت الحكومة المغربية تلجأ إلى سماسرة أوروبيين من أجل البحث عن عسكريين وخبراء من قدماء الجيوش الأوربية أو من خبروا الحياة العسكرية الأوربية في مجالات متعددة للعمل في المغرب.
لم يتردد القبطان الألماني «ليونارد كاروف» في قبول العرض السلطاني المغري، بعدما نجح السمسار الأوربي في أن  يشرح له الامتيازات المادية التي توفرها له الحكومة المغربية، مما يمكنه من جمع ثروة قبل العودة إلى ألمانيا، وهي ثروة التي يمكنه أن يجمعها مقابل نصف الجهد الذي يبذله ضمن عمله في البحرية أو من تجواله كقبطان في سفن التجارة الألمانية التابعة للدولة الألمانية،  بعد قدومه إلى المغرب تم تعيينه مباشرة على إحدى السفن التابعة للجيش السلطاني، عمل القبطان الألماني «ليونارد كاروف» في البحرية المغربية منذ سنة 1899 إلى سنة 1909، على متن الفرقاطة  المغربية الشهيرة باسم «سيدي التركي»  التي كانت تزود حامية عسكرية مغربية في مدينة طرفاية  بالمؤونة،  كما عهدت إليه مهام أخرى تشمل الاستشارة العسكرية وتكوين البحارة، وكان كلما ارتفعت مشاوراته  أو تضاعفت استشاراته التي يقدمها للجيش السلطاني، ارتفع دخله بشكل أكبر من السابق.
قدم إلى المغرب وتولى قيادة السفينة بعد أن أبرم اتفاقا مع النائب السلطاني «محمد الطريس» في سنة 1899، وتولى قيادة السفينة لما يقارب تسع سنوات، إذ كانت مهمته تتمثل في تمشيط السواحل المغربية ومطاردة الثائر «بوحمارة»ـ وقد طال به المقام بالمغرب بالرغم من نيته أن تكون سنواته معدودة في المغرب، لكن الإغراءات والامتيازات المالية التي كان يحظى بها نظير عمله جعلته يفضل البقاء والاستمرار في خدمة السلطان. 
وقد انتهت تجربة «ليونارد كاروف» في المغرب بإصداره لكتاب حول عمله بالمغرب ليصبح من أهم المراجع التاريخية لتلك المرحلة، خاصة فيما يتعلق بتفاصيل الثورات التي كانت تشهدها المرحلة، إذ  تميزت بظاهرة  الثائر الروكي «بوحمارة» أو الفتان الذي كان يسعى إلى الاستفراد بالحكم.
فبعد السنوات التي قضاها في المغرب في خدمة السلطان وتدريب جنود الحرس السلطاني، قرر أن يؤلف كتابا يتعرض فيه بالتفصيل لكل مراحل خدمته في المغرب، بدءا من قدومه وقبوله العرض السلطاني إلى تكليفه بمراقبة السواحل، مرورا بمظاهر من الحياة الاجتماعية في المغرب في تلك الفترة،  فعن جولاته بالفرقاطة المغربية مثلا  في منطقة طرفاية وعمله بها يصف «كاروف» قساوة العيش التي كانت تميز سكان المنطقة، فيكتب «»لم يكن في مقدور حتى الإنسان المغربي أن يتحمل البقاء طويلاً في هذه المنطقة، فلا يمكن تصور وجود منطقة أكثر من هذه بؤسا، فليس يكتنفها غير الرمل، والرمل ثم الرمل، وإنه ليعسر علينا أن نفهم أين تجد بعض الخراف البائسة التي يمتلكها الأهالي والعدد لا يحصى من الغزلان غذاءها في هذا القفر»،  ويضيف «(كان يتعين علينا جلب جميع المواد الغذائية للحامية، بما فيها الماء وخشب التدفئة، ولذلك يكون وصول سفينتنا دائماً، عيداً صغيراً للحامية،  فبالإضافة إلى المواد الغذائية الطرية، كنا نحمل إليهم رسائل الأهل وأخبار البلاد).
على غرار العديد من المرتزقة الأوربيين الذين قدموا خدمات للجيش السلطاني، كشفت كتابات تاريخية أن القبطان الألماني بالرغم من عمله لدى السلطان، فقد كان يقدم خدمات لصالح بلده ألمانيا.
فكان يجمع بين عمله كمرتزق عسكري في الجيش السلطاني يمشط السواحل المغربية الجنوبية والشمالية الشرقية منها على متن السفينة، بحثا عن الثوار والمتمردين، مقابل أجر يومي يتلقاه من خزينة السلطان، في الوقت الذي  حافظ فيه على علاقته بالمخابرات الألمانية، التي حرس على تزويدها بالمعلومات عن التواجد والنشاط الفرنسي في المغرب،  حيث كانت ألمانيا تسعى إلى كسب مصالح اقتصادية في المغرب، وترى أنها أقصيت عن عمد من طرف الفرنسيين.
أصبح «كاروف» خبيرا بالوسط الاجتماعي والسياسي المغربي، في فترة وجيزة، وذلك بفضل خبرته وحنكته العسكرية، وهو ما مكنه  من خلق علاقات بالشخصيات السياسية المغربية والإسبانية، في الوقت الذي ظل بعيدا عن الشخصيات الفرنسية، لأن المصالح الفرنسية كانت تضعه العميل رقم 1 للمخابرات الألمانية في المغرب وكانت تضعه تحت المراقبة.
وتحدث «كاروف» عن خدمته في المغرب في كتاب بعنوان « تسع سنوات في خدمة السلطان أو ليلة القبض على بوحمارة» تناول فيه مجموعة من القضايا التي كانت تشكل أهم أحداث الساحة السياسية في المغرب، منها على وجه الخصوص ثورة الروكي بوحمارة، والتمرد الذي كان يقوده الريسوني، إضافة إلى الكثير من والمعارك التي خاضها الجيش السلطاني، وكذلك التنافس الأوربي حول المغرب،
كتاب «تسع سنوات في خدمة السلطان أو ليلة القبض على بوحمارة» أصبح فيما بعد من أهم المراجع التي يعود إليها المؤرخون للحديث عن الثائر بوحمارة، وكيف استطاع المخزن القضاء عليه وإخماد ثورته بعد عدة معارك.
وفيه وصف دقيق لأهم ما كان يقوم به، ففي أحد فصول الكتاب يقول « بالنسبة لنا، فقد كنا نجهد لمنع عمليات التهريب التي كانت تجري في مارتشيكا، واحتجاز قوارب أنصار الروكي بوحمارة، والإبقاء على أهل المركز التجاري في حالة خوف دائم، بفعل ما كنا نرميهم به من الطلقات في أوقات معلومة»
لقد استطاع «ليونارد كاروف» أن يجمع ثورة كبيرة من المال من عمله بالمغرب كقبطان قائد لفرقاطة عسكرية للجيش السلطاني وأيضا نظير استشارته العسكرية، كما مكنه عمله من التجسس لصالح المخابرات الألمانية على الأنشطة الفرنسية من أن يتغاضى الألمان عن هجرانه للبحرية الألمانية مقابل العرض السلطاني، ويصبح من أهم الشخصيات التي خدمت ألمانيا خارج الحدود.
المرتزق الدوق ربيردا أراد أن يؤسس لدين جديد بالمغرب، رغم وضع خبرته العسكرية لسنوات رهن إشارة المخزن، مقابل أموال طائلة، ورغم بلائه الحسن في تدريب الكثير من الحرس السلطاني، إلا أن ذكراه ترتبط كثيرا بمحاولاته ابتكار دين جديد والدعوة إليه في أوساط المجتمع المغربي المحافظ، دين قال إنه مزيج من الإسلام، اليهودية والمسيحية.
يسمى «ربيردا» وكان يلقب في أوساط المغاربة بـ»الدوق ربيردا»، يتحدر من أسرة هولندية نبيلة، الأصل النبيل لعائلته مكنه من الحصول على تعليم عصري اقتصر إبانها على أبناء النبلاء، في أوساط المجتمع الهولندي، وهو التعليم ذاته الذي سيمكنه فيما بعد من أن يتقلد مناصب رفيعة في السلك الدبلوماسي الهولندي، قبل أن يتم اختياره لتمثيل بلاده هولندا في البلاط الملكي الإسباني، لكن تلك المهمة سرعان ما تحولت إلى كابوس لم ينجو منه إلا  بعد هروبه إلى المغرب.
فبعد سنوات من الخدمة في البلاط الإسباني كممثل لبلده هولندا، ونظرا لما رآه من الإسبان من حسن معاملة، ومن تعلقه بالمجتمع الإسباني فقد اختار أن يصبح إسبانيا وتقدم بطلب للحصول على الجنسية الإسبانية وهو ما كان سهلا يومها نظرا لمنصبه الدبلوماسي الكبير، فحصل على الجنسية الإسبانية، وهي الجنسية التي جعلته أهلا كي يتولى مناصب عليا في إسبانيا أيضا، لكن سرعان ما جلبت له الكثير من المصائب أودت به إلى السجن.
ففي عهد الملك الإسباني «فيليب» الخامس تم تعيينه على رأس إحدى الوزارات الإسبانية، لكن سرعان ما ساءت الأمور بعد أن توصلت الحكومة الإسبانية إلى أنه خدعها في الكثير من الأمور، وحامت حوله الشكوك بالتجسس لصالح بلده الأصلي هولندا، لتقرر  السلطات الإسبانية رميه في السجن، عقوبة على خداعه لها،  رمي به في سجن بمدينة «سيكوفا» الإسبانية،  وخلال فترة سجنه تعرف على إحدى الفتيات الإسبانيات من قشتالة، وقع في حبها، وهي التي ساعدته ليهرب من سجنه، ويتجه إلى بريطانيا في رحلة الهرب قبل أن يقرر أن  يدخل المغرب هربا من بريطانيا والملاحقة الإسبانية له،  تغيب الكثير من تفاصيل أسباب اختياره المغرب كوجهة بعد فراره من السجن والتجائه إلى بريطانيا، لكن الثابت أنه دخل إلى المغرب بحرا.
وصل إلى المغرب عبر سفينة استأجرها، وبعد فترة قصيرة في المغرب تحول الرجل المنبوذ من بلده والمطارد من البوليس الإسباني إلى رجل مهم ومقرب من الدائرة الخاصة للسلطان المغربي، فقد  أصبح في فترة زمنية قصيرة من أهم مقربي السلطان العلوي مولاي عبد الله والمسؤولين العسكريين الكبار في الجيش السلطاني، وهو ما سيدفع السلطان فيما بعد إلى  تعيينه قائدا لجيشه، بعد أن اقتنع  بخبرته العسكرية الطويلة، وعرض عليه الكثير من الأموال مقابل مساعدته على تحديث الجيش، فكان يستفيد من امتيازات مالية كبيرة  تفوق ما كان يحصل عليه أمثاله ونظراؤه المغاربة.

المرتزق عاشق النساء
عشق «ريبدر» النساء فكان يحيط به الحسناوات الإسبانيات، وكانت إحداهن أكثرهن ملازمة له، وهي التي ساعدته على الهرب من سجنه في إسبانيا،  وحتى بعد مجيئه إلى المغرب كان يصرف ما ينفحه به السلطان نظير خدماته العسكرية على جلب نساء إلى مقر إقامته.
لم يكتف «ريبرد» بذلك فعندما تقوت مكانته لدى السلطان، وتضاعفت ثروته نتيجة ما كان يتقاضه، بدأ يجلب أجانب آخرين من دول بريطانيا، هولندا وفرنسا، حيث كانوا يقومون بحراسته الشخصية مقابل أجور يومية، يدفعها لهم مما يتحصل عليه من السلطان كأجرة على عمله العسكري.
قربه من السلطان جعل سلطاته تتضاعف، فأطلق يده في الجيش السلطاني، حيث أصبح الآمر الناهي، فكان قاسيا على مخالفيه، كما كانت عقوباته شديدة على المخالفين لأوامره وتعليماته من الضباط المغاربة تحت إمرته،  فكان ينصب مشنقة ويعدم بنفسه من يخالفه، كما كان يعدم كل من يضبط متلبسا بسرقة، أو غش أو خداع من العامة كما من العساكر الذين كلفه السلطان بإمرتهم.
مكنه السلطان من سلطات واسعة، حتى أنه أصبح يتفقد بنفسه أهم المراكز الاستراتيجية التي يعسكر فيها الجيش المغربي، ويتخذ قرارات مهمة حتى دون استشارة السلطان.
تصفه الكثير من المصادر التاريخية أنه كان «انتهازيا كبيرا ومحبا للمال الذي كان يسعى لجمعه بكل السبل»، إلا أنه استطاع أن يخفي ذلك بشكل جيد في أوساط المقربين منه، فقد كان جيدا في كسب أصدقاء جدد.
ورغم الحظوة التي كان يحظى بها لدى السلطان، فقد كان يعرف أنه مرتزق يتلقى أجره ما يجعله عابر سبيل سيغادر المغرب في يوم من الأيام، لذلك سعى إلى مضاعفة دخله، وجمع الكثير من المال، فاتخذ من اليهود وسطاء ليلج عالم التجارة الذي جنى منه الكثير، وكان يحتفظ بغالبية مداخيله من التجارة خارج المغرب، فاشترى بالأموال ذاتها عقارات في كل من هولندا وبريطانيا،  ولم يقتصر استغلاله لليهود على التجارة، بل استعملهم كجواسيس كي يظل ملما بجميع الأمور، وكي لا ينتهي به المصير إلى ما انتهى به في إسبانيا وينتهي في السجن من جديد أو تصادر أملاكه.
المثير أن «ريبرد» بعد أن اطمئن إلى علاقته الجيدة مع السلطان مولاي عبد الله، بدأ يهتم بالتدخل في شؤون المغرب الدينية،  فأصبح يبدي رأيه في الطبيعة المحافظة للمجتمع المغربي، ويدعو إلى الكثير من التفتح على الحياة الغربية.
لقد كان مسيحيا كاثوليكيا، قبل أن يتحول ليصبح مسيحيا بروتستانتيا، وبعد فترة من الزمن سيغير من جديد دينه، لكن هذه المرة إلى الإسلام، إذ أعلن اعتناقه الإسلام، رغم شكوك الكثير من معاصريه في إسلامه، وبعد فترة من إسلامه بدأ بالدعوة والترويج لما قال إنه دين جديد  سيخلص البشرية من كل ما هي فيه،
وعن دينه الجديد، قال إنه يجمع بين كل من  الإسلام، المسحية، واليهودية، حيث باشر بدعوة المسيحيين، المسلمين واليهود، إلى دينه الجديد.
وتكشف بعض المصادر التاريخية أنه تراجع عن ذلك وعاد إلى دينه المسيحي الكاثوليكي، وأنه لم يكن جادا في ذلك بقدر ما كان يروج له كي يتقرب أكثر من السلطان ومن المغاربة، من أجل جمع أكبر قدر من المال وضمان طريق العودة سالما إلى بلاده، مشيرة إلى أنه وهو فوق فراش المرض عاد إلى «مسيحيته» فعندما استفحل مرض النقرس بجسده، تراجع عن دعوته للدين الجديد، وهو على فراش الموت استدعى قسيسا ليشهد عن تراجعه عن الإسلام وعن الدين الجديد الذي كان بصدد الدعوة إليه، كي يمنحه القسيس الغفران.
لكن قبل أن تطاله يد الموت كانت يد السلطان الجديد قد طالته، فبعد أن اندلعت الفتنة في المغرب على السلطان مولاي عبد الله، حليفه وصديقه، سرعان ما عزل السلطان ليجد «ريبرد» نفسه وحيدا في مواجهة سلطة جديدة، فدفع الكثير من المال مقابل أن السماح له بالمغادرة.

مصنع الأسلحة، مئات المرتزقة الإنجليز والإسبان
عاش السلطان العلوي مولاي الحسن الأول طوال سنوات عمره مبهورا بالحياة الأوربية وبعصرنة الجيوش الأوربية، خاصة التي كان له احتكاك معها، كالجيش الفرنسي، الألماني، الإسباني والبرتغالي، لذلك سعى جاهدا أن يجعل من جيشه السلطاني شبيها لها، بجلب خبراء من بلدان أوربية بل إنه استعان بمرتزقة أوربيين لحمل السلاح والقتال في صفوف الجيش المغربي.
ولعل أهم ما يحسب للسلطان أنه حاول أن يجعل من المغرب دولة مصنعة للسلاح، إذ سهر شخصيا على بناء مصنع الأسلحة في مدينة فاس، وجلب له من كل الدول الأوربية خبراء وعسكريين، ولهوس السلطان بالتفوق الأوربي في المجال، فقد حرص على أن تكون كل تفاصيل المصنع بلمسة أوربية، فحتى  الذين قاموا بأعمال البناء في المصنع لم يكونوا من المغاربة.
تتفق جميع المصادر التاريخية أنه في إطار سعيه لتحديث الجيش وتطويره، حاول السلطان العلوي مولاي الحسن الاستفادة من التجربة الأوربية عبر جلب فنيين ومهندسين أوربيين للاستفادة من خبراتهم، ومن بين المحاولات الجادة في المجال هي مصنع الأسلحة في مدينة فاس، أو كما كانت تسمى «دار السلاح» .
وأوكل السلطان إلى  الخبير العسكري الإيطالي «كافيني» إدارة المصنع، وهو كولونيل سابق في الجيش الإيطالي قدم إلى المغرب للاستفادة من سخاء السلطان الذي كان يطمح إلى جعل المغرب يضاهي الجيوش الأوربية، وعلى غرار العشرات من الأوربيين الذين رأوا في تلهف السلطان فرصة للاغتناء وكسب المزيد من الأموال، استقدم الكولونيل الإيطالي إلى السلطان مولاي الحسن، وبعد أن عرض عليه السلطان طموحاته لم يتردد الخبير العسكري الإيطالي في قبول العرض الذي يضاعف دخله ما كان يجنيه في بلده نظير خدمته العسكرية.
فكان الكولونيل الإيطالي يشرف على فنيين مغاربة، ممن تلقوا تعليمهم في المعاهد العسكرية الأوربية، تحت رغبة السلطان الذي كان يرغب في أن يتمرس المغاربة على يد الخبير الإيطالي، واستطاع الكولونيل أن يشرف على صناعة بندقيات من نوع « مرتيني هودي» و» شنيدر» و» مكسيم» وكذلك  صناعة بعض الرشاشات، وهي النتائج الأولية التي أثلجت صدر السلطان وجعلته سخيا مع الكولونيل الإيطالي، ومنحه المزيد من الامتيازات، وكذلك المزيد من الصلاحيات.
لم يكتف السلطان بأن يكلف الكولونيل الإيطالي بصنع الأسلحة رغم بساطتها للجيش السلطاني، بل ائتمنه على ذخيرة الدولة من الأسلحة والذخيرة الحية، فقد أصبح الكولونيل حارسا أمينا لثروات المغرب من الأسلحة.
وهكذا أصبح الكولونيل الإيطالي حارس أسلحة المخزن الأمين، وتحول بين عشية وضحاها الخبير الذي يلجأ إليه السلطان كلما اختلطت عليه الأمور.
وقد كان الكولونيل الإيطالي يشرف على حراسة الآلاف من البندقيات والمدافع، والسيوف التي اشتريت من دول أوربية أخرى، أو أهدتها دول أوربية إلى السلطان في إطار المجاملات الدبلوماسية.
وضعه السلطان المولى الحسن في المصنع، كما كان يستعمل المصنع لخزن أنواع كثيرة من أسلحة أخرى من نحاس ودروع غالبيتها كانت غنائم من حروب ومعارك الجيش السلطاني ضد جنود الجيش الإسباني والجيش البرتغالي.
فقد كانت دار السلاح مصنعا مغربيا، لكنه مغربيا بالاسم فقط، فكل ما فيه ومن يشرف عليه أجنبيا، فإذا كان الكولونيل الإيطالي أشرف على صنع الأسلحة، فبناء المصنع يكشف تفاصيل مثيرة حوله، فخلال بنائه كلف السلطان المواطن الإيطالي بمهمة الإشراف على البناء أيضا.
فقد كلف السلطان المولى الحسن الأول المهندس الإيطالي «نوطيرا»،  بهندسة المصنع وتصميمه « الذي أشرف على كل التفاصيل المتعلقة بالهندسة والبناء إلى آخر اللمسات التي همت التفاصيل الدقيقة للمصنع، قبل أن يبدأ في العمل والاشتغال على صنع الأسلحة.
بالمقابل تكشف المصادر التاريخية أن بناء المصنع كلف الكثير من اليد العاملة من الأجانب، خاصة الإنجليز، الفارين من السجون ومن الخدمة العسكرية في بلدانهم، لجأوا إلى المغرب لصعوبة العثور عليهم، ووجدوا من الامتيازات المالية ما يشجعهم على قبول الكثير من الإعمال التي ما كان ليقبلوها في بلدانهم.
وتكشف المصادر التاريخية أن المصنع كان يتناوب على بنائه المئات من المرتزقة من الإنجليز والأوربيين، ولرغبة السلطان في تسريع العمل فقد أفرغ كل سجونه من الأسرى الأوربيين الذين كانوا يقبعون فيها وإرغامهم على العمل في بناء المصنع كما لم يخل الأمر من إغراءات مالية ووعود بالحرية.
وإذا كانت هندسة المصنع أشرف عليها إيطالي، وصناعة الأسلحة أشرف عليها إيطالي أيضا،  فإن البناء كان بخليط من المرتزقة من الإنجليز والإسبان، كما تمت الاستعانة بأسرى إسبانيين وبرتغاليين.
وحتى بعد أن تم البناء وبدأ العمل، لجأ الخبير الإيطالي إلى مرتزقة أجانب لتوفير الحماية اللازمة للمصنع، وهكذا كان يتكلف بحراسته مرتزقة من الإنجليز غالبيتهم هاربون من السجون الأوربية، وبعضهم من السجناء الأجانب الذين كانوا يقبعون في سجون السلطان، فاستغلهم في حراسة المصنع.

مرتزقة السويد والدانمارك
عرف عن السلطان العلوي محمد بن عبد الله أنه كان من أكثر السلاطين  قربا من الأوربيين، وتأثر بحياتهم ونظم حكهم، فعزم على القيام بإصلاحات في المغرب تشابه تلك التي يقدم عليها الأوربيون في جيوشه، مقربوه اقترحوا عليه أن يجلب الحرفيين الأوربيين المهرة، ويستعين بالفارين من الجندية ومن الجيوش الأوربية، الذين خبروا العمل العسكري، لكنهم هربوا من الخدمة العسكرية، وهم مستعدون لتقديم كل شيء مقابل المال.
وهو الأمر الذي لم يتردد السلطان في القيام به، إذ أصبح المغرب يعج بالمرتزقة الذين يصطفون طوابير للحصول على أجرهم اليومية، من بنائين، حرفيين، إلى مدربين عسكريين.
فجلب من كل بلدان أوربا البنائين المهرة، والنجارين وغيرهم، حتى أنه استقدم حرفيين من بلدان كالسويد والدانمرك، وهما البلدان اللذان كانا بعيدين كل البعد عن التعاون أو تبادل العلاقات مع المخزن.
ولم يكتف السلطان مولاي محمد بن عبد الله بتوظيف بنائين من هذه البلدان، بل جلب مرتزقة لجيشه ولحمايته وحماية قصوره.
  وكان غالبية هؤلاء من بلدان إسبانيا، البرتغال، فرنسا، مع عدد لا بأس به من السويد والدانمرك، كانوا كلهم من الفارين من الخدمة العسكرية في بلدانهم، قبل أن يجدوا ضالتهم في جيش السلطان، إذ اتخذوا من الأمر فرصة لجمع الكثير من المال قبل العودة إلى بلدانهم.
كانوا يعملون بأجر يومي نظير ما يقومون به،  وقيل إن عددهم فاق ثمانمائة شخص، بعضهم اعتنق الإسلام فيما ظل أغلبهم على دينهم، لكن الدين لم يكن عاملا حاسما أو مهما في علاقتهم بالسلطان أو خلال قيامهم بما يطلب منهم، فقد كان يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية وإن كان أغلبهم مهملا لها، فقد كان هدف تواجدهم في المغرب الامتيازات المالية التي كانت توفرها خدمة السلطان.

عمر الأسكتلاندي، ربان سفينة السلطان
ولعله من أغرب قصص المرتزقة الذين عج بهم جيش المغرب، حكاية عسكري أسكتلاندي، رغم ديانته المسيحية فقد اشتغل كمرتزق في سفن «الجهاد» في البحر، أي سفن القرصنة.
وعلى غرار الكثير من الأوربيين الذين حلوا للعمل بالمغرب، أصبح ينادى عليه باسم «عمر الأسكتلاندي»، حتى أن اسمه الحقيقي يغيب عن الكثير من المصادر والكتب التاريخية التي تناولت مرحلة تواجده بالمغرب، وكل ما يعرف به هو اسم عمر الأسكتلاندي»، رغم أنه مسيحي كاثوليكي. 
دخل المغرب عارضا خبرته العسكرية التي أصبح يتقاضى عليها الكثير من المال من السلطان محمد الثالث، الغريب أن السلطان أوكله مهمة إحدى سفن الجهاد» وهي السفن التي كانت تعرف لدى الدول الأوربية أنها سفن مختصة في القرصنة في السواحل القريبة منها وتعترض سفن التجارة الأوربية.
وبالرغم من أن الأوربيين الذين كانوا يشتغلون في البلاط السلطاني عددهم قليل نسبيا، إلا أن الجيش والحرس السلطاني كان يعج بالكثير من الأوربيين الذين يشتغلون بأجر يومي حسب المهمات التي كانت توكل إليه، منهم سجناء سابقون في سجون أوربا، ومنهم الفارين من السجون الأوربية، كما منهم الفارين من الخدمة العسكرية في بلدانهم، لم يكن مسموحا لهم بالإقامة إلا في طنجة، وفي تطوان أو في العرائش أو في الصويرة.
لم يقتصر عمل «عمر « الأسكتلاندي على قيادة سفن القرصنة، بل أشرف على تزويدها بالعشرات من المرتزقة الأوربيين، الذين كانوا يعملون على متن السفن التي تسمى بسفن الجهاد في محيط السلطان، مقابل أجر يومي يضاعف ما كانوا يجنونه من أعمالهم في الخدمة العسكرية في بلدانهم،  لم يقتصر وجود الأوربيين على الجيش والحرس السلطاني بل كانوا يشتغلون حتى في القرصنة التي كانت منتشرة حينها، وكان يسميها المغاربة «الجهاد البحري»

روتن مهندس مدافع السلطان
حل المهندس الألماني بالمغرب على غرار الكثير من مواطنيه الذين كانت الدولة الألمانية تشجعهم على الرحيل إلى المغرب في ظل منافستها مع فرنسا، وأشرف على بناء البرج الرباطي، كما أشرف على تزويده بمدافع ألمانية وهو ما رفع من سخاء السلطان وضاعف أجرته.
كلف المهندس الألماني ببناء برج الرباطي، وكان متحمسا لذلك كما تكشف رسائله التي كان يحرص على تبادلها عن طريق الحمام، مع صديق له بالدار البيضاء يتراسل معه، ومن الدار البيضاء كانت ترسل الأخبار والحوادث الواقعة بالمغرب ككل، والتي كان يرخص على إرسالها إلى دولته ألمانيا تماما كما كان يفعل جميع المرتزقة الذين كانوا يعملون في ميادين سيادية.
وقد حاولت فرسنا أن تعيق عمله بعدما علمت أن عمله لا يقتصر على كونه مرتزقا فقط، بل يتجاوز ذلك إلى تجسسه لصالح الألمان، فقد أخبر السلطان من طرف الفرنسيين، أن البرج الذي بني بضاحية الرباط، والذي أشرف عليه الألماني غير متين، وأنه سيتهدم بمجرد إخراج الطلقة الأولى من المدفع، وهو ما دفع السلطان إلى الكشف عن ذلك بنفسه، فقام بزيارة إلى البرج، حضر إلى القلعة فوجد هيئة المدفعيين موجودة تنتظره، أطلق المدفع وبقي ينتظر خارج القلعة، وتمت التجربة بنجاح، وبعد إخراج طلقتين ووصول الطلقة إلى داخل البحر بمسافة 20كيلومتر، غادر السلطان، وبعد هذا بدأ السلطان يحضر كل مساء للبرج وينصب له المهندس مدفعا من العيار الصغير فيقوم ببعض الرماية.
بعد نجاح التجربة، كلف المهندس الألماني بمهمة أخرى، حيث أرسل إلى ساحل سلا لبناء القلعة الثانية، بالقرب من قصبة – سيدي موسى، حيث نجح الألماني في كسب ثقة السلطان من جديد بعد محاولات الفرنسيين، وأبلى البلاء الحسن واقترح على السلطان بناء ربوة رملية لإخفاء القلعة عن مرمى العدو من البحر، غير أن الجو السياسي سرعان ما توتر وطلب منه أن يتوقف عن العمل، وهكذا لم تبن سوى قلعة واحدة من تسع قلاع كان من المقرر بناؤها، لكنه بالمقابل تمكن من جمع الكثير من الأموال التي كان السلطان يغدقها عليه كلما كللت تجربة ما بالنجاح.
هل جلب مولاي يوسف مرتزقة أمريكيين لقتال عبد الكريم الخطابي؟


لعل أكبر ثقل حمله التاريخ للسلطان العلوي مولاي يوسف هو ختمه السلطاني على قرار يقضي بجلب فرقة من المرتزقة الأمريكيين من الطيارين الذين شاركوا في حرب الريف ضد قوات الثائر عبد الكريم الخطابي.
ففي الوقت الذي تنشر وثائق من الأرشيف الفرنسي والأمريكي أن المرتزقة الأمريكيين جاؤوا بناء على طلب فرنسي، تكشف مصادر أخرى خاصة بعض الكتابات  لنشطاء في الريف اليوم أن السلطان مولاي يوسف كان يعلم بقدوم المرتزقة، وختم بكامل إرادته على عملهم بالمغرب.
كشف الباحث الأمريكي «وليلام دين» وهو متخصص في التاريخ العسكري، أن مشاركة المرتزقة الأمريكيين في الحرب الريفية هي حقيقية لا يختلف عليها لا الأمريكيون ولا الفرنسيون ولا حتى المغاربة من المؤرخين القريبين من السلطان.
وأشار الكاتب ذاته أن حرب الريف عرفت مشاركة مرتزقة أمريكيين سبق لهم أن كانوا طيارين في القوات الجوية الأمريكية، استعانت بهم القوات الفرنسية الجوية لقصف سكان الريف إبان ثورة القائد عبد الكريم الخطابي، بعد أن اشتدت هجمات قوات هذا الأخير، وتبين أن فرنسا دولة غير قادرة على صد الهجمات التي كان ينفذها الثوار الريفيون بنجاعة.
ويستعين الباحث الأمريكي بالأرشيف العسكري الفرنسي، وبعض البحوث الأمريكية التي اهتمت بالموضوع، ليكشف أن مرتزقة أمريكيين شاركوا في الحرب على سكان الريف بالرغم من معارضة الداخل الأمريكي الذي كان يرى في الثورة الريفية ثورة لطرد المستعمر الفرنسي، تجب مساندتها وليس الحرب ضدها،  مضيفا أن مشاركة الطيارين الأمريكيين كانت ضد الموقف الرسمي الأمريكي، بل كانت بناء على رغبات الطيارين الأمريكيين في كسب المزيد من المال، وهو المال الذي دفع من خزينة المغرب وليس من أموال فرنسا.
وقد سبق للأمريكيين الذين شاركوا في الحرب الريفية أن شاركوا في الحرب العالمية الأولى، كطيارين في القوات الجوية الأمريكية، ولأن فرنسا فشلت في كسب الحرب ضد الثوار بعدما اكتشفت أنها شبه عاجزة على مستوى القوات الجوية لجأت إلى وسطاء من أجل جلب مرتزقة أمريكيين، نظرا للخصاص في مجال القوات الجوية الذي كان لدى الفرنسيين.
وبعد أن شعرت فرنسا بقوة قوات عبد الكريم الخطابي، لم تجد بدا من الاستعانة بمرتزقة مهرة، الكثير منهم سبق أن شارك في الحرب العالمية، وتحت نصائح سماسرة حرب، وقع الاختيار على خبراء طيران من أمريكا، شاركوا في الحرب العالمية وتمرسوا على حرب العصابات.
فاقترح كولونيل أمريكي أن تستعين فرنسا بطيارين أمريكيين مرتزقة سبق لهم أن كانوا ضمن فرقة تسمى «لافاييت»  مقابل أن تمنحهم أجورا مغرية تجعلهم يقدمون أفضل ما تعلموه في الجوية الأمريكية، وتم إقناع الطيارين الأمريكيين بأن  يقودوا سربا من الطائرات للقتال ضد قوات عبد الكريم الخطابي، و»لافاييت» هي وحدة حربية جوية مكونة من متطوعين أمريكيين خاضعين للقيادة العسكرية الفرنسية أنشئت سنة 1916 وشاركت في الحرب العظمى إلى جانب قوات باريسية.
ويكشف الكاتب الأمريكي أن فرنسا خشيت من تبعات أن يكون لها مرتزقة في جيشها من الأمريكيين، فقررت أن تجعل هؤلاء تحت خدمة السلطان مولاي يوسف، باعتباره قانونيا حاكم البلاد، فسميت الفرقة الأمريكية بـ»سرب الطائرات الشريفة» ، بعدما استطاعت أن تقنع السلطان مولاي يوسف بذلك. 
وقد غضبت الولايات المتحدة الأمريكية من مشاركة مرتزقة يحملون جنسيتها للقتال ضد قوات عبد الكريم الخطابي، إذ أن القوانين الأمريكية تعتبر كل من يحمل جنسيتها ويشارك في حروب خارج أمريكا أو يقاتل  في صفوف  جيوش أجنبية، أنه يرتكب جنحة يعاقب عليها القانون، إذ تصل غرامتها إلى ألف دولار وعقوبة سجنية تصل إلى ثلاث سنوات، في الوقت الذي كان الرأي العام الأمريكي ينظر إلى القائد الريفي عبد الكريم الخطابي كقائد يحارب الاستعمار ويناضل من أجل تحرير بلاده، وهو الأمر الذي ساهمت فيه الصحافة الأمريكية بشكل كبير، إذا كانت كل التغطيات الصحفية لكبريات الصحف الأمريكية تجمع على أن عبد الكريم هو بطل محلي يناهض الاستعمار ويقاتل من أجل طرد الاستعمار الفرنسي وهو حق مشروع ويجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسانده، وهو الأمر الذي تسبب في زيادة السخط الداخلي الأمريكي على فرنسا للجوئها إلى مرتزقة أمريكيين، وهو ما دفعها أن تقنع السلطان بالتكفل بمصاريف المرتزقة وتحمل المسؤولية المباشرة لجبلهم للقتال ضد قوات عبد الكريم الخطابي.
كان السرب الأمريكي  يقوم بخمس عمليات في اليوم مقابل أجر يومي محدد يدفعه السلطان مولاي يوسف،  قبل أن يضطر إلى الانسحاب بسبب رداءة أحوال الطقس، وارتفاع انتقاد الرأي العام الأمريكي الداخلي وتصاعد دعوات لمحاكمة طيارين لخيانتهم للانحياز الأمريكي لحركة تحرر البلدان المستعمرة، حيث شنت الصحف الأمريكية حربا إعلامية على هؤلاء المرتزقة ومشاركتهم في حرب ضد ثوار يقاتلون ضد من استعمر  بلدهم.
كان السرب الأمريكي يتكون من تسعة ضباط وسبعة ضباط صف، وتكلف السلطان مولاي يوسف بإمدادهم ببدلات عسكرية، ودفع أجورهم عن كل يوم شاركوا فيه في الحرب ضد قوات عبد الكريم الخطابي،  يكشف الكاتب الأمريكي،
وقد تعقدت الأمور أكثر لدى السلطان بخصوص علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية بعد الاستقبال الرسمي الذي خص به السلطان الطيارين الأمريكيين المرتزقة بساحة المشوار سنة 1925 وإشراكهم في الحرب الجوية باسم الفيلق الشريفي، وهم نفسهم الذين شاركوا كطيارين في الحرب العالمية الأولى إلى جانب فرنسا تحت اسم «ايسكدرون لافاييت»، ما جعل السلطان في صف المسؤول المباشر عن التعاقد مع المرتزقة الأمريكيين، وهو ما جلب عليه غضبا رسميا أمريكيا ومقاطعة دامت لسنوات.
كيف استعان الحسن الثاني بـ«مرتزقة» إسرائيليين لبناء الجدار العازل


هل يمكن أن تصنف أيادي الخبراء والتقنيين التي أشرفت على ترجمة الخبرة العسكرية الإسرائيلية في بناء  الجدار الرملي العازل الذي أقامه المغرب لكبح حماس مقتلي البوليساريو المدفوع بتشجيع جزائري، كمرتزقة. لا تنكر التقارير التي يسربها الجيش الإسرائيلي بين الفينة والأخرى الدور الكبير الذي لعبته إسرائيل في تحويل الجدار العازل في الصحراء المغربية إلى حقيقة، بعد أن كان مجرد فكرة لا تراوح مكانها في مخيلة الملك الراحل الحسن الثاني، في الوقت الذي تؤكد فيه كتابات ومصادر أخرى أن الفكرة كانت فكرة إسرائيلية قدمها الموساد إلى الحسن الثاني كدليل على حسن نية الإسرائيليين في مساعدة المغرب وتكوين علاقات تعاون جيدة معه.
وبالرغم من أن طيارين سابقين بالجيش المغربي أشاروا إلى أن فكرة بناء الجدار في الصحراء المغربية، كانت تروج وتتناسل في أوساطهم منذ بداية حرب الصحراء، وأن هذه الفكرة كانت تراود الحسن الثاني منذ سنين، قبل أن يقوم بتنفيذها من أجل محاصرة مقاتلي جبهة البوليساريو، وكبح عملياتهم الهجومية، إلا أن التنفيذ لم يكن مغربيا مائة في المائة، فقد أقنع الأمريكيون الملك الراحل الحسن الثاني بضرورة الاستعانة بالخبرة الإسرائيلية في المجال، وهو ما لم يتردد بشأنه الملك الراحل الحسن الثاني، كما لم يتردد  في توفير كل ما يلزم لبناء الجدار، من أموال وخبراء تقنيين، وحتى مشرفين ميدانيين على عملية البناء.
وسبق لتقارير صحفية أن كشفت اعتمادا على مصادر إسرائيلية أن الخبرة الإسرائيلية كانت حاضرة، إذ لجأ الحسن الثاني إلى خبراء عسكريين إسرائيليين وأمريكيين لبناء جداره الأمني الواقي من اختراقات العناصر المسلحة لجبهة البوليساريو. 
وقد بلغ طول الجدار الأمني العازل بمنطقة الصحراء 2720 كيلومترا، وهو عبارة عن مرتفع رملي يصل علوه إلى نحو 3 أمتار ويربط بين مواقع محصنة مزودة برادارات تبتعد عن بعضها البعض بحوالي 2 إلى 3 كيلومترات تجوبها دوريات.
ولم ينحصر دور الخبراء الإسرائيليين في  تقديم الاستشارات التقنية والفنية، بل سهروا على ترتيبات ميدانية شملت الإشراف على تزويد الجيش المغربي بآليات خاصة بالحفر، رادارات مراقبة عن قرب من طراز «راسورا» وأخرى خاصة بالمراقبة عن بعد يصل مداها إلى 50 كلم، بالإضافة إلى قواعد عسكرية كل كيلومتر ونصف حتى كيلومترين.
وتم التشييد عبر حفر خنادق رملية، قبل أن يتم تعزيزها بالحجر والرادارات، وهي التي ساهمت بشكل كبير في الاستشعار بتحركات مقاتلي جبهة البوليساريو قبل أن يقتربوا  من الحزام الأمني، كما مكن الجدار الرملي العازل  الجيش المغربي من كسب الكثير من الوقت لتعقب مقاتلي الجبهة ومحاصرتهم لكبح قدرتهم على الهجوم.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

التعرية البحرية وجيومورفولوجيا السواحل

التعرية البحرية وجيومورفولوجيا السواحل

التعرية البحرية وجيومورفولوجيا السواحل